القوات المسلحة الاردنية وبناء الشخصية الوطنية الأردنيةتأتي الشخصية الوطنية كصفات تعكس خصوصية مجتمع ما وتميّز حركته على الدوام ، وتتشكل تلك السمات في العادة كنتاجٍ لتفاعل ثلاثة عوامل اساسية تتجسد بصدى المكان (الجغرافيا)، وبوح الزمان (التاريخ) ، وبذل الإنسان ( العنصر المرن) بين تلك المرتكزات الأساسية الهامة الثلاثة .أما الشخصية الوطنية الأردنية، فهي منظومة الصفات الأردنية التي تعكسُ خصوصية المجتمع الأردني وتميّز حركته على الدوام ، وهذه الصفات تشمل الولاء والمحبة بعيداً عن التزمت أو التعصّب ، والانتماء بعيداً عن العنصرية أو الطائفية أو الإقليمية ، والقناعة والرضا بعيداً عن الاستسلام أو الانكسار، والفخر والبذل والعطاء بعيداً عن الشُح أو التقتير أو الإسراف ، والتحدي نزوعاً إلى الحرّية بعيداً عن التكبّر أو الازدراء، والحس القومي والإسلامي بعيداً عن الغلو أو التطرف ، وغيرها من الصفات كالحلم والنخوة والمروءة وإجارة الدخيل أو اللاجئ وإغاثة الملهوف والإحسان إلى الضعيف ، والسعي لمجاراة الآخرين والتلاؤم مع المستجدات وغيرها الكثير، دون الخروج على الثوابت أو السماح بذوبان هذه الشخصية أو زوالها.لقد تشكلت منظومة الصفات الأردنية ، كنتاج لتفاعل عوامل الإنسان الأردني المعطاء ، عبر أبجديات زمانه المتعدد الأطوار ،وفوق أرضه ، التي وقف على تخومها الأجداد وأصروا ان تظل أرضا لكل الشرفاء والطيبين، يتقاسمون هواءها وخبزها وماءَها، مع كل من قصدها طالباً النجاة من ويل أو قهر أو اضطهاد.فمنذ فجر التاريخ ، ومروراً بعهد الإمارة ، وعهود المملكة الأولى والثانية والثالثة ، استمرت الأرض الاردنية تقف كالسنديانة ، عبر محيط لجّي هادر من المتغيرات والمستجدات والتحديات ، ليتكامل نسيج الشخصية الوطنية الأردنية ويزداد اتزانها وتفرّدها ، وتتبلور خصوصيتها ، في زمن المملكة الرابعة تحت ظل الراية الهاشمية، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين اعزه الله ، حيث قيم الديمقراطية والتنمية المستدامة الشاملة ، بأبعادها السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والإدارية ، والفكرية ، والثقافية والعسكرية ، ليكون الأردن الأنموذج العربي الإسلامي الصاعد في سماء منطقتنا العربية وفي الإقليم ، ومثالاً يحتذى في تفاعل عزيمة الأردني مع قيادته الهاشمية الفذة.لقد شكلت العوامل الأساسية الثلاث – الجغرافيا والتاريخ والانسان - المادة الاساسية في بناء الشخصية الوطنية ، وفي محيط تلك العوامل كان للجيش العربي قصة وحكاية ابرزت قيم العسكرية الأردنية ودورها الواضح في بناء الشخصية الوطنية الأردنية ففي الجغرافيا والتي تعكس صدى المكان وروحه ، فإننا في القوات المسلحة / الجيش العربي قد خبرنا كل شبر من هذه الأرض المعطاءة ، وعشقناها وبادلناها حبّاً بحب ، ولثمنا كل ذرة من ترابها الطهور ، شرقها وغربها ، شمالها وجنوبها ، سهولها وغورها ، هضابها والشامخات من جبالها ، كلها عندنا أردن والأردن أولاً، ولكم عركناها في ثنائية عزّ نظيرها بين كل اردني منا من أهل العزم ، يستعذب الردى في سبيلها لتظل مهابة على الدوام ، وبين هذه الأم الرؤوم والعباءة الأردنية الدافئة الضافية(الرقاد، 2015). ففيها أقمنا ميادين تدريبنا وناديناها بالأسماء ، لتسري منا مسرى الدم في العروق، وعلى حدودها أقمنا خنادقنا ، وسيجناها بأجسادنا وافتديناها بأرواحنا وسهرنا نحرسها بأهداب العيون ، هي اقرب إلينا من نبض أفئدتنا ، ونلبيها كلما نادتنا اذا ادلهمّت الخطوب وازدادت المعاناة.فمع رمضاء صحرائها ، ولهيب غورها ، تعودنا الصبر والجلد وتحملّ الشدائد ، ومع زمهرير وقارص برد جبالها كان التحدي والشموخ والعنفوان ، ومن بطحاء سهولها تعلمنا دروس التسامح والعفو والصفح الجميل ، ولكم زيناّها وغرسنا فيها من وارفات الظلال حفاظاً على بيئتها وما حوت ، نعمرها وتحملنا ونحملها ، بين الجوانح والضلوع في كل صبح ومساء ، فالأرض عندنا كما العرض لا تهان، نسهر لنحمي أمنها واستقرارها ونصون إنجازاتها ومكتسباتها ، ونكون ناراً تحصد كل من يحاول ان يدوسها بغدر أو خيانة.فهي نشوة تسري في عروقنا اذا لامست أجسادنا رمالها وصوّانها و دحنونها ، ونؤمن أيها الأخوات والإخوة ، ان الأردن ليس سوقاً للمزايدات وليس حقيبة مُسافر ، كما يظن البعض ، أو يحلو لهم ان يستهونوه ، لأنه بحجم بعض الورد ، فنحن في القوات المسلحة/ الجيش العربي ، شوك هذا الورد الجميل ، والأسنة القاتلة في كنانته حماه الله .وأما الزمان فبوحه أن زماننا في الجيش العربي جاء سابقاً على قيام الدولة الأردنية، حيث انبرى الأوائل من الجند الأردنيين، ورثة جيش الثورة العربية الكبرى ، تحت قيادة الصيد من بني هاشم ، لبناء مداميك الأردن وإعلاء راياته ، فحملوا على عاتقهم شق الطرقات لتصل معسكراتهم وتخدمهم وتخدم أبناء الأردن ، وفتحوا المدارس والمستشفيات العسكرية في بواديه وأريافه ، واستمرينا نؤسس لأركانه ونعمل لنهضته وتقدمه ، وكبرنا ودرجنا مع الأردن ، نرد عنه العاديات ونقارع الغزاة المعتدين الطامعين.وفي ذلك تشهد لنا أسوار القدس ، وثرى فلسطين ،وفي باب الواد واللطرون وجنين والسموع وغيرها ، ومن سفر الزمان ، كأني أرى حابس باشا المجالي رحمه الله قائد الكتيبة الرابحة آنذاك ، يستعرض جنوده فوق تلك الأرض المباركة ، ويقول لهم المنية ولا الدنية ، واسمع رجع صدى صوت الشهيد المقدم صالح الشويعر يقارع الإسرائيليين بآخر رصاصات من مسدسه ، وأرى طائرات فرسان الجو الشهداء الملازم الطيار فراس العجلوني ، والملازم الطيار موفق السلطي، تشق عنان السماء ، وتلّون ذات الشموخ ، وترسله حمماً فوق رؤوس الإسرائيليين المعتدين، وكذا الشهيد المقدم منصور كريشان ، والجندي/2 سالم الخالدي وباقي شهداء الجيش العربي ترفرف أرواحهم جميعاً ، محلقّة في هذا الزمان الأردني المضرج بلون الدم والمخضّب بالعنفوان.وفي يوم الكرامة ، كرامة المكان والزمان والإنسان ، وقف بواسل الجيش العربي ، يقارعون الإسرائيليين بالخلُق الوعر ، شباب بعمر الورد قدموا أرواحهم بلا منّة ، شهداء عند ربهم يرزقون ، يتقدمهم الملازم محمد هويمل الزبن ، والمرشح عارف الشخشير ، والملازم خضر شكري يعقوب الذي طلب عندما طوق العدو الإسرائيلي موقعه أن يتم قصف موقعه ( العدو يطوق موقعي اقصف موقعي الآن ) وهل أكثر من هذا الانتماء والوفاء وفاء ، والجندي/2 سلطان الكوفحي وغيرهم الكثير ، حيث كان وادي الأردن يحدو معهم ، إنهم لن يمرّوا ، واقسموا ان لا تزول شمس ذلك اليوم ، وهم يرددون خلف قائدهم الأعلى الحسين طيب الله ثراه ، ان لا وقف لإطلاق النار ، وشرقيّ النهر أثر لهؤلاء الغزاة الحاقدين (البطاينة، 2009).وفي الجولان الأشمّ رسم الشهيد الملازم فريد الشيشاني الذي ترفرف روحه في سماء المكان والمدى القومي، أسمى آيات البطولة والانتماء، عندما أُعطبت دبابته ، وترجل منها ليرمي الإسرائيليين بما بقى لديه من ذخيرة وعتاد.وأما الإنسان والذي شكل قامة هزمت كل التحديات فدور القوات المسلحة مهم إزاءه وكبير، حيث تشكل القوات المسلحة الجزء الأكبر من الشريحة الاجتماعية لأبناء هذا الوطن، فما من بيت إلا ونجد فيه منتسباً للقوات المسلحة أو محارباً قد أمضى زهرة شبابه بين صفوفها من المحاربين القدامى ، ذوداً عن حمى الوطن ومقدراته ومكتسباته ، وحفاظاً على أمنه واستقراره.فالقوات المسلحة هي البوتقة التي تنصهر فيها وتتلاشى كل الفروقات الفردية، لتشكل من منتسبيها نسيجاً اجتماعياً وحدوياً قوياً يتحلى بأسمى الصفات، ويعكس صورة نقية زاهية عن المجتمع الأردني في تواده وتماسكه وترابطه وتراحمه .فإنساننا الأردني في القوات المسلحة يتعلم في منطوق دستور الشرف العسكري الأردني، ان شعارنا الأيمان بالله ثم الانتماء للوطن ثم الولاء لقيادتنا الهاشمية على الدوام ، ويتعلم ، ان الجبهة الداخلية ظهير وسند قوي للقوات المسلحة ، والأردنيون والأردنيات عشيرته وأهله ، يصون أرواحهم وأعراضهم، ويحب لهم ما يحب لنفسه ، ويعاملهم بكل تقدير واحترام ، ويشّب على الطاعة والانضباط النفسي واحترام النظام ، وكيف يحكّم ضميره دائماً في كل شيء ، وينفذ أوامر قادته الأعلين دون تردد أو تقاعس أو تشكيك.إنساننا الأردني في القوات المسلحة، له الشرف انه وجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين يشكلان ثنائية تحمي الدستور وتدافع عنه ، وبينه وبين الأردنيين علاقة حميمة لا يدانيها وصف ، والثقة فيه كبيرة ، الأمر الذي يمّيزه عن كثير من جيوش العالم ، فهو لم يفرّط يوماً ، ولم يساوم ، أو يهادن ، أو يحاول استبدال الذي أدنى بالذي هو خير ، لأنه يحترف الجندية بعيداً عن الامتهان (التل، 1996). هذا هو إنساننا الأردني في القوات المسلحة، تُصقلُ شخصيته ليكون اردني الانتماء ، هاشمي الولاء ، عربي المدّ ، يعتز بدينه ، يمضي سني عمره يذود عن كيان الدولة وعن الشرعية فيها ، وهمه الأول والأخير الوصول إلى درجات الاحتراف والتميّز ، وان تكون قواته المسلحة في مصاف جيوش الدول المتقدمة ، بروح من الإصرار والتحدي، على الرغم من شح الموارد وقلة الامكانات ، وازدياد ضغوط البيئات المحيطة على صعيد الإقليم والعالم.إن لقواتنا المسلحة دور هام وفاعل ومؤثر في بناء الشخصية الوطنية الأردنية، لما له من اتصال مباشر بالعوامل الأساسية لبناء تلك الشخصية، فالنسيج قوي ومتماسك ، والقيادة تملك الرؤية الاستراتيجية الثاقبة القادرة على استشراف المستقبل لبناء الأردن الحديث، على الرغم من كثرة التحديات ، وجسامة الحمل وثقل المسؤولية.العقيد الركن: محمد الشرمانكلية القيادة والاركان المشتركة
القوات المسلحة الاردنية وبناء الشخصية الوطنية الأردنية
تأتي الشخصية الوطنية كصفات تعكس خصوصية مجتمع ما وتميّز حركته على الدوام ، وتتشكل تلك السمات في العادة كنتاجٍ لتفاعل ثلاثة عوامل اساسية تتجسد بصدى المكان (الجغرافيا)، وبوح الزمان (التاريخ) ، وبذل الإنسان ( العنصر المرن) بين تلك المرتكزات الأساسية الهامة الثلاثة .
أما الشخصية الوطنية الأردنية، فهي منظومة الصفات الأردنية التي تعكسُ خصوصية المجتمع الأردني وتميّز حركته على الدوام ، وهذه الصفات تشمل الولاء والمحبة بعيداً عن التزمت أو التعصّب ، والانتماء بعيداً عن العنصرية أو الطائفية أو الإقليمية ، والقناعة والرضا بعيداً عن الاستسلام أو الانكسار، والفخر والبذل والعطاء بعيداً عن الشُح أو التقتير أو الإسراف ، والتحدي نزوعاً إلى الحرّية بعيداً عن التكبّر أو الازدراء، والحس القومي والإسلامي بعيداً عن الغلو أو التطرف ، وغيرها من الصفات كالحلم والنخوة والمروءة وإجارة الدخيل أو اللاجئ وإغاثة الملهوف والإحسان إلى الضعيف ، والسعي لمجاراة الآخرين والتلاؤم مع المستجدات وغيرها الكثير، دون الخروج على الثوابت أو السماح بذوبان هذه الشخصية أو زوالها.
لقد تشكلت منظومة الصفات الأردنية ، كنتاج لتفاعل عوامل الإنسان الأردني المعطاء ، عبر أبجديات زمانه المتعدد الأطوار ،وفوق أرضه ، التي وقف على تخومها الأجداد وأصروا ان تظل أرضا لكل الشرفاء والطيبين، يتقاسمون هواءها وخبزها وماءَها، مع كل من قصدها طالباً النجاة من ويل أو قهر أو اضطهاد.
فمنذ فجر التاريخ ، ومروراً بعهد الإمارة ، وعهود المملكة الأولى والثانية والثالثة ، استمرت الأرض الاردنية تقف كالسنديانة ، عبر محيط لجّي هادر من المتغيرات والمستجدات والتحديات ، ليتكامل نسيج الشخصية الوطنية الأردنية ويزداد اتزانها وتفرّدها ، وتتبلور خصوصيتها ، في زمن المملكة الرابعة تحت ظل الراية الهاشمية، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين اعزه الله ، حيث قيم الديمقراطية والتنمية المستدامة الشاملة ، بأبعادها السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والإدارية ، والفكرية ، والثقافية والعسكرية ، ليكون الأردن الأنموذج العربي الإسلامي الصاعد في سماء منطقتنا العربية وفي الإقليم ، ومثالاً يحتذى في تفاعل عزيمة الأردني مع قيادته الهاشمية الفذة.
لقد شكلت العوامل الأساسية الثلاث – الجغرافيا والتاريخ والانسان - المادة الاساسية في بناء الشخصية الوطنية ، وفي محيط تلك العوامل كان للجيش العربي قصة وحكاية ابرزت قيم العسكرية الأردنية ودورها الواضح في بناء الشخصية الوطنية الأردنية ففي الجغرافيا والتي تعكس صدى المكان وروحه ، فإننا في القوات المسلحة / الجيش العربي قد خبرنا كل شبر من هذه الأرض المعطاءة ، وعشقناها وبادلناها حبّاً بحب ، ولثمنا كل ذرة من ترابها الطهور ، شرقها وغربها ، شمالها وجنوبها ، سهولها وغورها ، هضابها والشامخات من جبالها ، كلها عندنا أردن والأردن أولاً، ولكم عركناها في ثنائية عزّ نظيرها بين كل اردني منا من أهل العزم ، يستعذب الردى في سبيلها لتظل مهابة على الدوام ، وبين هذه الأم الرؤوم والعباءة الأردنية الدافئة الضافية(الرقاد، 2015).
ففيها أقمنا ميادين تدريبنا وناديناها بالأسماء ، لتسري منا مسرى الدم في العروق، وعلى حدودها أقمنا خنادقنا ، وسيجناها بأجسادنا وافتديناها بأرواحنا وسهرنا نحرسها بأهداب العيون ، هي اقرب إلينا من نبض أفئدتنا ، ونلبيها كلما نادتنا اذا ادلهمّت الخطوب وازدادت المعاناة.
فمع رمضاء صحرائها ، ولهيب غورها ، تعودنا الصبر والجلد وتحملّ الشدائد ، ومع زمهرير وقارص برد جبالها كان التحدي والشموخ والعنفوان ، ومن بطحاء سهولها تعلمنا دروس التسامح والعفو والصفح الجميل ، ولكم زيناّها وغرسنا فيها من وارفات الظلال حفاظاً على بيئتها وما حوت ، نعمرها وتحملنا ونحملها ، بين الجوانح والضلوع في كل صبح ومساء ، فالأرض عندنا كما العرض لا تهان، نسهر لنحمي أمنها واستقرارها ونصون إنجازاتها ومكتسباتها ، ونكون ناراً تحصد كل من يحاول ان يدوسها بغدر أو خيانة.
فهي نشوة تسري في عروقنا اذا لامست أجسادنا رمالها وصوّانها و دحنونها ، ونؤمن أيها الأخوات والإخوة ، ان الأردن ليس سوقاً للمزايدات وليس حقيبة مُسافر ، كما يظن البعض ، أو يحلو لهم ان يستهونوه ، لأنه بحجم بعض الورد ، فنحن في القوات المسلحة/ الجيش العربي ، شوك هذا الورد الجميل ، والأسنة القاتلة في كنانته حماه الله .
وأما الزمان فبوحه أن زماننا في الجيش العربي جاء سابقاً على قيام الدولة الأردنية، حيث انبرى الأوائل من الجند الأردنيين، ورثة جيش الثورة العربية الكبرى ، تحت قيادة الصيد من بني هاشم ، لبناء مداميك الأردن وإعلاء راياته ، فحملوا على عاتقهم شق الطرقات لتصل معسكراتهم وتخدمهم وتخدم أبناء الأردن ، وفتحوا المدارس والمستشفيات العسكرية في بواديه وأريافه ، واستمرينا نؤسس لأركانه ونعمل لنهضته وتقدمه ، وكبرنا ودرجنا مع الأردن ، نرد عنه العاديات ونقارع الغزاة المعتدين الطامعين.
وفي ذلك تشهد لنا أسوار القدس ، وثرى فلسطين ،وفي باب الواد واللطرون وجنين والسموع وغيرها ، ومن سفر الزمان ، كأني أرى حابس باشا المجالي رحمه الله قائد الكتيبة الرابحة آنذاك ، يستعرض جنوده فوق تلك الأرض المباركة ، ويقول لهم المنية ولا الدنية ، واسمع رجع صدى صوت الشهيد المقدم صالح الشويعر يقارع الإسرائيليين بآخر رصاصات من مسدسه ، وأرى طائرات فرسان الجو الشهداء الملازم الطيار فراس العجلوني ، والملازم الطيار موفق السلطي، تشق عنان السماء ، وتلّون ذات الشموخ ، وترسله حمماً فوق رؤوس الإسرائيليين المعتدين، وكذا الشهيد المقدم منصور كريشان ، والجندي/2 سالم الخالدي وباقي شهداء الجيش العربي ترفرف أرواحهم جميعاً ، محلقّة في هذا الزمان الأردني المضرج بلون الدم والمخضّب بالعنفوان.
وفي يوم الكرامة ، كرامة المكان والزمان والإنسان ، وقف بواسل الجيش العربي ، يقارعون الإسرائيليين بالخلُق الوعر ، شباب بعمر الورد قدموا أرواحهم بلا منّة ، شهداء عند ربهم يرزقون ، يتقدمهم الملازم محمد هويمل الزبن ، والمرشح عارف الشخشير ، والملازم خضر شكري يعقوب الذي طلب عندما طوق العدو الإسرائيلي موقعه أن يتم قصف موقعه ( العدو يطوق موقعي اقصف موقعي الآن ) وهل أكثر من هذا الانتماء والوفاء وفاء ، والجندي/2 سلطان الكوفحي وغيرهم الكثير ، حيث كان وادي الأردن يحدو معهم ، إنهم لن يمرّوا ، واقسموا ان لا تزول شمس ذلك اليوم ، وهم يرددون خلف قائدهم الأعلى الحسين طيب الله ثراه ، ان لا وقف لإطلاق النار ، وشرقيّ النهر أثر لهؤلاء الغزاة الحاقدين (البطاينة، 2009).
وفي الجولان الأشمّ رسم الشهيد الملازم فريد الشيشاني الذي ترفرف روحه في سماء المكان والمدى القومي، أسمى آيات البطولة والانتماء، عندما أُعطبت دبابته ، وترجل منها ليرمي الإسرائيليين بما بقى لديه من ذخيرة وعتاد.
وأما الإنسان والذي شكل قامة هزمت كل التحديات فدور القوات المسلحة مهم إزاءه وكبير، حيث تشكل القوات المسلحة الجزء الأكبر من الشريحة الاجتماعية لأبناء هذا الوطن، فما من بيت إلا ونجد فيه منتسباً للقوات المسلحة أو محارباً قد أمضى زهرة شبابه بين صفوفها من المحاربين القدامى ، ذوداً عن حمى الوطن ومقدراته ومكتسباته ، وحفاظاً على أمنه واستقراره.
فالقوات المسلحة هي البوتقة التي تنصهر فيها وتتلاشى كل الفروقات الفردية، لتشكل من منتسبيها نسيجاً اجتماعياً وحدوياً قوياً يتحلى بأسمى الصفات، ويعكس صورة نقية زاهية عن المجتمع الأردني في تواده وتماسكه وترابطه وتراحمه .
فإنساننا الأردني في القوات المسلحة يتعلم في منطوق دستور الشرف العسكري الأردني، ان شعارنا الأيمان بالله ثم الانتماء للوطن ثم الولاء لقيادتنا الهاشمية على الدوام ، ويتعلم ، ان الجبهة الداخلية ظهير وسند قوي للقوات المسلحة ، والأردنيون والأردنيات عشيرته وأهله ، يصون أرواحهم وأعراضهم، ويحب لهم ما يحب لنفسه ، ويعاملهم بكل تقدير واحترام ، ويشّب على الطاعة والانضباط النفسي واحترام النظام ، وكيف يحكّم ضميره دائماً في كل شيء ، وينفذ أوامر قادته الأعلين دون تردد أو تقاعس أو تشكيك.
إنساننا الأردني في القوات المسلحة، له الشرف انه وجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين يشكلان ثنائية تحمي الدستور وتدافع عنه ، وبينه وبين الأردنيين علاقة حميمة لا يدانيها وصف ، والثقة فيه كبيرة ، الأمر الذي يمّيزه عن كثير من جيوش العالم ، فهو لم يفرّط يوماً ، ولم يساوم ، أو يهادن ، أو يحاول استبدال الذي أدنى بالذي هو خير ، لأنه يحترف الجندية بعيداً عن الامتهان (التل، 1996).
هذا هو إنساننا الأردني في القوات المسلحة، تُصقلُ شخصيته ليكون اردني الانتماء ، هاشمي الولاء ، عربي المدّ ، يعتز بدينه ، يمضي سني عمره يذود عن كيان الدولة وعن الشرعية فيها ، وهمه الأول والأخير الوصول إلى درجات الاحتراف والتميّز ، وان تكون قواته المسلحة في مصاف جيوش الدول المتقدمة ، بروح من الإصرار والتحدي، على الرغم من شح الموارد وقلة الامكانات ، وازدياد ضغوط البيئات المحيطة على صعيد الإقليم والعالم.
إن لقواتنا المسلحة دور هام وفاعل ومؤثر في بناء الشخصية الوطنية الأردنية، لما له من اتصال مباشر بالعوامل الأساسية لبناء تلك الشخصية، فالنسيج قوي ومتماسك ، والقيادة تملك الرؤية الاستراتيجية الثاقبة القادرة على استشراف المستقبل لبناء الأردن الحديث، على الرغم من كثرة التحديات ، وجسامة الحمل وثقل المسؤولية.
العقيد الركن: محمد الشرمان
كلية القيادة والاركان المشتركة